على الرغم من تواجد أكثر الحركات النسائية حيويّة فيه بالمقارنة مع العالم العربي بحسب ما أكّدته هيئة الأمم المتّحدة لشؤون المرأة، حلّ لبنان في المرتبة 145 بين 153 دولة في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي عن الفجوة العالمية بين الجنسين في العام 2020، إذ تقف أمام تمتّع المرأة فيه بحقوقها كاملة عقبات قانونية ومؤسّساتية واجتماعية.
إزاء هذه الضبابية في وضع المرأة، فسحة من الأمل تعزّزها الجهود المبذولة لتفعيل دور النساء في مجالات الحياة العامة، من أبرزها السياسية والعسكرية.
من مفاعيل الانتخابات النيابية في دورتيها الأخيرتين العام 2018 و2022، وتحرّكات المعارضة على الأرض في العامين 2015 و2019، برز دور المرأة في الحياة السياسية، كما دورها العسكري الحاسم، الذي، وبحسب “معهد كارنيغي للشرق الأوسط“، عزّز في ظل الأحداث المتتالية منذ العام 2019 بشكل خاص، جوًا من الحوار قابله تخفيض في تصعيد الأحداث.
بدأ عدد النساء المجندات في الجيش اللبناني يرتفع منذ العام 2017، مع إطلاق الجيش اللبناني مساعيه الحثيثة لدمج النساء في صفوف المؤسّسة العسكرية، مع تعزيز أدوارهنّ فيها. بحلول نهاية العام 2021، ازدادت نسبة تمثيل النساء في صفوف الجيش اللبناني من 1% في العام 2017 إلى 5.5%، وذلك من أصل إجمالي عديده البالغ نحو 75,000 عسكري، بحسب حديث أدلت به جمانة زبانة من هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة لمعهد “كارنيغي للشرق الأوسط”. كما لفتت زبانة إلى أنّ دفعة العام 2022 في المؤسّسة العسكرية، راعت التوازن العددي بين الجنسين على وجه التقريب، إذ ضمّت 53 رجلًا و47 امرأة.
وشكّلت تلك الدفعة الخطوة الأولى لمسار يمتدّ لثلاثين سنة من اليوم، يهدف إلى تأهيل النساء كي يتبوأنَ مناصب قياديّة في الجيش اللبناني. كما يهدف إلى إسناد مهمّات قتالية ودعم قتالي للنساء، مع تشديد قائد الجيش جوزف عون على أولويّة تعزيز دور المرأة كي تصل إلى القيام بأدوار قتاليّة في المستقبل.
جاءت ترجمة هذا التوجّه مع انضمام كل من الملازم الأول شانتال كلاس، والملازم الأول ريتا زاهر إلى سلاح الجوّ اللبناني، فأصبحتا المرأتين الأوليين اللّتين تتبوّآن هذا المنصب، وتَرَافق هذا الأمر مع رصد تغيير في النظرة تجاه تواجد النساء وتقبلّهنّ في المؤسّسة العسكرية، وهذا ما أكّدته كلّاس في حديث سابق لها مع شبكة “بي بي سي BBC“.
أثبتت المرأة في الجيش قدرتها على اتّخاذ قرارات اتّسمت بكونها أكثر حكمةً، وأسهمت في تخفيف الضغوط المُمارَسة على الوحدات العسكرية في أوساط المجتمعات المحلية. من هنا، رأى العميد الركن يوسف حداد، رئيس لجنة مراقبة وضبط الحدود في الجيش اللبناني، أنّ القرار الوزاري الذي صدر في حزيران 2021، فتح المجال أمام المرأة للخدمة رسميًا في مهمّات قتالية مباشرة أو في مهمات الدعم القتالي.
ولم يقتصر الدعم الحكومي على هذا القرار، إذ سبقه القرار الرقم 516 بسعي من الوزيرة السابقة زينة عكر، حين تحمّلت مسؤولية وزارة الدفاع في الحكومة اللبنانية، والذي مكّن قائد الجيش من البتّ في كلّ المسائل المتعلقة بتجنيد النساء وخدمتهنّ في المناصب والتخصّصات التي يمكن أن يشْغلنها.
كما يشكّل تسلّم زينة عكر لوزارة الدفاع في حينها، نموذجًا يحتذى لأهمية إشراك المرأة في الحياة السياسية والعسكرية، إذ تُعتبر عكر أول وزيرة دفاع في العالم العربي، تمّ تعيينها في العام 2020 في حكومة الرئيس حسان دياب الذي سلّمها منصب نائب رئيس الحكومة في حينه. كما عيّنت زينة عكر لاحقاً وزيرة للخارجية والمغتربين بالوكالة خلفا للوزير شربل وهبة الذي قدّم استقالته.